للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشيخ السعدي- رحمه الله تعالى-: (هذا من جملة ما يؤذيه فإنه صلّى الله عليه وسلّم له مقام التعظيم والرفعة والإكرام، وتزوج زوجاته بعده يخل بهذا المقام، وأيضا فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، والزوجية باقية بعد موته؛ فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده لأحد من أمته) «١» .

ما أجمل ما قاله الإمام القرطبي حيث قال ما نصه: (وإنما جعل الموت في حقه لهن بمنزلة المغيب في حق غيره كونهن أزواجا له في الآخرة قطعا بخلاف سائر الناس) «٢» .

وأضيف أن من الحكم الجليلة لهذا التحريم:

١- أن أي بيت من البيوت لا يخلو أبدا من الخلافات الزوجية، والتي يحدث فيها أن يرفع الرجل صوته على زوجته أو يوبخها، بل قد يصل الأمر إلى ضربها وهجرها، وهذا قطعا لو تصوّر حدوثه لإحدى أمهات المؤمنين فإنه يؤذي النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولن يفلح رجل آذى النبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة إذا كان هذا الإيذاء في أهل بيته.

٢- أعتقد أن من الحكمة الشرعية تحريم مثل هذا الزواج لأنه- كما نقول في كلامنا الدارج- أنّ نسب فشل مثل هذا الزواج أكبر من نسب نجاحه، بل إنه سيكون زواجا محكوما عليه بالفشل، وذلك لاستحالة وجود رجل مهما بلغ من الحكمة والقوة والدين أن يرضي امرأة عاشت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورأت منه ما رأت من الكمال والجمال في كل شيء، فلن يمر موقف أو حادث إلا وقارنت بين زوجها وبين ما كانت ترى من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وستكون نتيجة المقارنة أنها لن ترضى من زوجها شيئا، وستسخط عليه في كل شيء، فشتان بين اثنين أحدهما: مشرع متبوع ظهر فضله وسيادته على الناس كلهم جميعا، وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم، والثاني: مشرّع له تابع مفضول بأنبياء وأولياء، وإذا كان هذا هو حال الرجلين، فهل من الأدب أن يحل الأدنى مكان الأكمل؟!

٣- إذا كان من الشروط التي يجب مراعاتها عند الزواج- وهي الضمان الأكبر لنجاح الزواج- هو إعمال مبدأ التكافؤ بين الرجل والمرأة، فأين الرجل الكفؤ لامرأة تزوجت من الرسول صلّى الله عليه وسلّم؟ فكانت تفضي إليه ويفضي إليها.

فالحمد لله الذي وافق هذا الحكم الإلهي- وهو تحريم الزواج من أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن- النقل والعقل.


(١) انظر تفسير السعدى (١/ ٦٧١) .
(٢) انظر الجامع لأحكام القرآن (١٤/ ٢٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>