له ما هو أيسر له، وهذا يدل على عظيم الحرج الذي كان يشعر به، وأجزم أنه لو كان في مقدوره ولو بمشقة أن ينزل على رغبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم لفعل، ولكن كان هذا الأمر عنده مستحيل التحقيق، وهذا يدلّنا على ما كان مستقرّا في نفوس الصحابة من تعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم وأنهم لا يفعلون ما ينافي ولو في صورته فقط، عدم تعظيم الرسول صلّى الله عليه وسلّم حتى ولو كان بأمره.
٢- قيامه رضي الله عنه بصنع الطعام للنبي صلّى الله عليه وسلّم وفيه:
أ- أنه كان يأكل فضلة النبي صلّى الله عليه وسلّم لقوله:(فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه) ، وما كان يكتفي أن يأكل من القصعة التي أكل فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم والذي نجزم به ونعتقده أن البركة قد حلت بالقصعة كلها، ولكن ما كان يرضى إلا أن يأكل من المكان الذي لامس أصابع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا يدل على همته العالية، وطلبه الأعلى من الأمور، والأتم منها، وحرصه على ما ينفعه.
ب- الفزع الذي انتابه، عندما رد إليه الطعام ولم يأكل منه النبي صلّى الله عليه وسلّم، والفزع هو أشد حالات الخوف التي يمكن أن تنتاب الإنسان، وماذا فعل أبو أيوب رضي الله عنه حتى ينتابه الفزع، أمات له قريب؟ أفقد ماله وولده؟ ارتكب كبيرة من الكبائر فخاف من سوء الخاتمة؟
لا، لم يفعل أيا من هذه الأمور، كل ما فعله أنه صنع طعاما رده النبي صلّى الله عليه وسلّم وخشي من نفسه أنه قدم طعاما للرسول صلّى الله عليه وسلّم حرام أكله، وهو لا يدري، مما اضطره للصعود إليه لاستقصاء الأمر، قال الراوي:(ففزع وصعد إليه فقال: أحرام هو) .
ج- لما علم الحكمة من عدم أكل النبي صلّى الله عليه وسلّم للطعام، وهي أنه يكره الثوم، وهو أمر خاص بالنبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه يأتيه الوحي في أي ساعة من الليل أو النهار، والملائكة تكره ذلك، ودليله قول الراوي:(وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يؤتى) وهو أمر لا يشترك فيه مع النبيّ أحد فماذا كان رده، قال:(فإني أكره ما تكره) ، وما كان هذا الكره للثوم موجودا قبل ذلك اليوم، بل كان محبوبا له، ودليله، أنه كان يضعه في الطعام الذي يقدم للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولكن أبو أيوب من شدة تعظيمه وحبه للنبي صلّى الله عليه وسلّم كره هذا الطعام من وقته، وعلل سبب الكره بقوله:(فإني أكره ما تكره) ، فهو لا يتصور أن يحب شيئا يكره النبي صلّى الله عليه وسلّم ولو كان من عادات الأمور، وقد يكون من أسباب كره للثوم، أنه كان سببا في رد الطعام.
ويتفرع على ذلك فائدة عظيمة، وهي أن نقول: إذا كان الصحابي قد كره الثوم، المباح أكله شرعا، لكره النبي صلّى الله عليه وسلّم مع أنه لم يأمرهم بكره، ولم ينفرهم منه، فكيف كان كره الصحابة، رضي الله عنهم، للمعاصي التي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أشد الناس كرها لها، وتنفيرا لأصحابه