في الحديث بيان ما كان عليه الصحابة والتابعون من تعظيم آثار النبي صلّى الله عليه وسلّم والحرص على اقتنائها والتبرك بها، ويظهر ذلك من الأمور التالية:
١- احتفاظ سهل بن سعد رضي الله عنه بالقدح الذي شرب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم كل هذه المدة الطويلة، وما يتصور أن قدحا يبقى مثل تلك الفترة الزمنية الطويلة إلا إذا حافظ عليه صاحبه أشد المحافظة.
٢- الظاهر من الحديث- والله أعلم- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يشرب من هذا القدح إلا مرة واحدة، عند ما نزل سقيفة بني ساعدة، ورد في الحديث على لسان سهل بن سعد:
(فأخرجت لهم هذا القدح فأسقيتهم فيه) ، ولو تكرر شرب النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه أكثر من مرة لحرص سهل أن يذكر ذلك، وهذا يدل على تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لآثار النبي صلّى الله عليه وسلّم والحرص على التبرك بها والمحافظة عليها بأقل مماسة أو ملامسة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فهذا قدح لم يشرب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا مرة واحدة ويكون كل ذلك الحرص عليه.
٣- حرص الصحابة على إعلام التابعين باثار النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل وحرصهم أيضا على أن ينال التابعون شرف ملامسة تلك الآثار وبركتها، لأن أبا حازم راوي الحديث ما علم أن القدح الذي شرب فيه عند سهل بن سعد هو نفسه الذي شرب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا بإخبار سهل له، بل يمكن أن يقال: إن سهلا رضي الله عنه كان من حفاوته بضيوفه وحرصه على حسن ضيافتهم أنه كان يسقيهم من هذا القدح المبارك.
٤- حرص التابعين على اقتناء آثار النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهذا الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رحمه الله- تعالى- يسأل سهلا أن يهب له القدح الذي شرب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما فعل ذلك إلا حرصا منه على أن ينال بركة ملامسة ما لامسه النبي صلّى الله عليه وسلّم بيده وفمه، وقد فعل ذلك الخليفة الصالح وهو الذي يعلم كراهة سؤال الغير، ولكن إذا كان الأمر يتعلق باثار النبي صلّى الله عليه وسلّم فلا حرج عندهم، فكأن هذا الخليفة الراشد استطاع أن يزهد في الدنيا وزينتها، ولكن لم يستطع أن يزهد في قدح شرب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورد في الحديث:(ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له) .
٥- وإن تعجب أخي القارئ مما ذكر، فالعجب كل العجب هو اعتقاد الصحابة الجازم ومن تابعهم أن بركة النبي صلّى الله عليه وسلّم التي حلت في القدح الذي شرب فيه مرة واحدة تبقى فيه فلا تذهب بكثرة الشاربين والملامسين لهذا القدح وبطول المدة التي تبقى فيها القدح.