وحده، فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله، بل جعل الحسب مختصًا به، وقال:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}؟ فخص الكفاية التي هي الحسب به وحده، وتمدح تعالى بذلك في قوله:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وقال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢)}: ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده.
وقد أثنى سبحانه وتعالى على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث فردوه بالحسب، فقال تعالى: {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)} وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
فإن قيل: هذا الوجه الذي دل عليه القرآن، فيه أن العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ضعفه غير واحد من علماء العربية، قال ابن مالك في (الخلاصة):
وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازمًا قد جعلا
فالجواب من أربعة أوجه:
الأول: أن جماعة من علماء العربية صححوا جواز العطف من غير إعادة الخافض، قال ابن مالك في (الخلاصة):
وليس عندي لازمًا إذ قد أتى ... في النظم والنثر الصحيح مثبتًا
وقد قدمنا في "سورة النساء" في الكلام على قوله: {وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ} شواهده العربية، ودلالة قراءة حمزة عليه،