وقوله:{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي: غاب عنهم واضمحل ما كانوا يفترونه: من أن شركائهم تشفع لهم وتقربهم إلى الله زلفى، كما قال تعالى:{وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} الآية، وكقوله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وضلال ذلك عنهم مذكور في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)} وقوله: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)} وقد قدمنا معاني "الضلال" في القرآن وفي اللغة بشواهدها.
• قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)} اعلم أولًا أن "صد" تستعمل في اللغة العربية استعمالين:
أحدهما: أن تستعمل متعدية إلى المفعول، كقوله تعالى:{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية، ومضارع هذه المتعدية "يصد" بالضم على القياس، ومصدرها "الصد" على القياس أيضًا.
والثاني: أن تستعمل "صد" لازمة غير متعدية إلى المفعول، ومصدر هذه "الصدود" على القياس، وفي مضارعها الكسر على القياس، والضم على السماع، وعليهما القراءتان السبعيتان في قوله:{إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} بالكسر والضم.
فإذا عرفت ذلك: فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} محتمل لأن تكون "صد" متعدية، والمفعول محذوف لدلالة المقام عليه، على حد قوله في الخلاصة: