إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥)} فالمشركون قبحهم الله جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، ثم ادعوا أنهم بنات الله، ثم عبدوهم؛ فاقترفوا الجريمة العظمى في المقامات الثلاث. والهمزة والفاء في نحو قوله:{أَفَأَصْفَاكُمْ} قد بينا حكمها بإيضاح في "سورة النحل" أيضًا.
وفي معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير، كلاهما حق، ويشهد له قرآن. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد يكون فيها وجهان، كلاهما حق، وكلاهما يشهد له قرآن، فنذكر الجميع لأنه كله حق.
الأول من الوجهين المذكورين: أن معنى الآية الكريمة: لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغوا -أي: الآلهة المزعومة- أي: لطلبوا إلى ذي العرش -أي: إلى الله- سبيلًا، أي: إلى مغالبته وإزالة ملكه؛ لأنهم إذًا يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض. سبحان الله وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا!.
وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي، وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة. ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عَالِمِ الْغَيْبِ