الجهة الرابعة: أن قوله: {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧)} فيه أعظم زجر عن ارتكاب ما لا يرضى الله تعالى.
والآيات الموضحة لذلك كثيرة جدًا، كقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)} وقوله: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥)} وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا هذا المبحث موضحًا في أول سورة هود. ولفظة {وَكَمْ} في هذه الآية الكريمة في محل نصب مفعول به لـ {أَهْلَكْنَا} و {مِنْ} في قوله: {مِنَ الْقُرُونِ} بيان لقوله: {وَكَمْ} وتمييز له كما يميز العدد بالجنس. وأما لفظه {مِنْ} في قوله: {مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} فالظاهر أنها لابتداء الغاية، وهو الذي اختاره أبو حيان في "البحر". وزعم الحوفي أن {مِنْ} الثانية بدل من الأولى، ورده عليه أبو حيان. والعلم عند الله تعالى.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} أي: عمل لها عملها الذي تنال به، وهو امتثال أمر الله، واجتناب نهيه بإخلاص على الوجه المشروع {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي: موحد لله جل وعلا، غير مشرك به ولا كافر به، فإن الله يشكر سعيه، بأن يثيبه الثواب الجزيل عن عمله القليل.