وقد رد الله عليهم هذه الدعوى الكاذبة التي هي منع إرسال البشر، كقوله هنا في هذه السورة الكريمة: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إلا رِجَالًا نُوحِي إِلَيهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧)}، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} الآية، وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}، وقوله هنا: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (٨)}، إلى غير ذلك من الآيات. وجملة {هَلْ هَذَا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}. قيل: بدل من {النَّجْوَى}؛ أي أسروا النجوى التي هي هذا الحديث الخفي الذي هو قولهم: هل هذا إلا بشر مثلكم. وصدَّرَ به الزمخشري، وقيل: مفعول به للنجوى؛ لأنها بمعنى القول الخفي. أي: قالوا في خفية: {هَلْ هَذَا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}. وقيل: معمول قول محذوف؛ أي: قالوا: هل هذا إلا بشر مثلكم. وهو أظهرها؛ لاطِّراد حذف القول مع بقاء مقوله. وفي قوله:{الَّذِينَ ظَلَمُوا} أوجه كثيرة من الإعراب معروفة، وأظهرها عندي: أنها بدل من الواو في قوله: {وَأَسَرُّوا} بدلُ بعضٍ من كل، وقد تقرر في الأصول: أن بدل البعض من الكل من المخصِّصات المتصلة، كقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا}، فقوله:{مَنِ} بَدَل من {النَّاسِ} بدل بعض من كل، وهي مخصِّصة لوجوب الحج بأنه لا يجب إلا على من استطاع إليه سبيلًا؛ كما قدمنا هذا في سورة "المائدة".