أنَّه الصَّحيح. وقوله:{مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل الذي يعلمهم، كانوا سبعة. وقوله:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فيه تعليم للنَّاس أن يردوا علم الأشياء إلى خالقها جل وعلا وإن علموا بها، كما أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمدة لبثهم في قوله: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥)} ثم أمره مع ذلك برد العلم إليه جل وعلا في قوله جل وعلا: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. } الآية. وما قدمنا من أنَّه لا قائل برابع قاله ابن كثير أخذًا من ظاهر الآية الكريمة. مع أن ابن إسحاق وابن جريج قالا: كانوا ثمانية، والعلم عند الله تعالى.
نهى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية الكريمة أن يقول: إنَّه سيفعل شيئًا في المستقبل إلَّا معلقًا ذلك على مشيئة الله الذي لا يقع شيء في العالم كائنًا ما كان إلَّا بمشيئته جل وعلا، فقوله:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} أي: لا تقولن لأجل شيء تعزم على فعله في المستقبل: إنِّي فاعل ذلك الشيء غدًا. والمراد بالغد: ما يستقبل من الزمان لا خصوص الغد. ومن أساليب العربيَّة إطلاق الغد على المستقبل من الزمان؛ ومنه قول زهير:
وأعلمُ علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غدٍ عمِ
يعني أنَّه لا يعلم ما يكون في المستقبل، إذ لا وجه لتخصيص الغد المعين بذلك. وقوله:{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} إلَّا قائلًا في ذلك: إلَّا أن يشاء الله؛ أي معلقًا بمشيئة الله. أو لا تقولنه إلَّا بإن شاء الله،