الإنس. وقد قال إبليس: لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلَّا قليلًا. وقد بين تعالى أن هذا الظن الذي ظنه بهم من أنه يضلهم جميعًا إلَّا القليل صدقه عليهم، وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)} كما تقدم إيضاحه.
وقرأ هذا الحرف نافع وعاصم: جبلًا بكسر الجيم والباء، وتشديد اللام، وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي. جبلًا بضم الجيم، والباء وتخفيف اللام، وقرأه أبو عمرو وابن عامر: جبلًا بضم الجيم وتسكين الباء مع تخفيف اللام، وجميع القراءات بمعنى واحد، أي: خلقًا كثيرًا.
ما ذكره جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة من شهادة بعض جوارح الكفار عليهم يوم القيامة جاء موضحًا في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة النور: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)} وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} الآية. وقد قدمنا الكلام على هذا في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢)}.
وبينا هناك أن آية يس هذه توضح الجمع بين الآيات، كقوله تعالى عنهم: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢)} مع قوله عنهم: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} ونحو ذلك من الآيات.