وأما تفرده تعالى بالألوهية مع إقامة الدليل على ذلك فقد بيناه، وذكرنا ما يدل عليه من الآيات في سورة بني إسرائيل، في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢)} ولم نتعرض لما يسميه المتكلمون دليل التمانع، لكثرة المناقشات الواردة على أهل الكلام فيه، وإنما بينا الآيات بالقرآن على طريق الاستدلال القرآني بها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
أمر جل وعلا نبيه في هاتين الآيتين الكريمتين أن يقول: رب إما تريني ما يوعدون، أي: إن ترني ما توعدهم من العذاب بأن تنزله بهم، وأنا حاضر شاهد أرى نزوله بهم: {فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤)} أي: لا تجعلني في جملة المعذبين الظالمين، بل أخرجني منهم، ونجني من عذابهم. وقد بين تعالى في مواضع أخر أنه لا ينزل بهم العذاب، وهو فيهم، وذلك في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية، وبين هنا أنه قادر على أن يريه العذاب الذي وعدهم به في قوله: {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (٩٥)} وبين في سورة الزخرف أنه إن ذهب به قبل تعذيبهم، فإنه معذب لهم ومنتقم منهم لا محالة، وأنه إن عذبهم، وهو حاضر فهو مقتدر عليهم. وذلك في قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢)}.