ومن إتيان أتى بمعنى فعل قوله تعالى:{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية. أي: بما فعلوه. وقول زهير بن أبي سلمى:
فما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل
واعلم بأن الإِفك هو أسوأ الكذب؛ لأنه قلب للكلام عن الحق إلى الباطل، والعرب تقول: أفكه بمعنى قلبه. ومنه قوله تعالى في قوم لوط:{وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} وقوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣)} وإنما قيل لها: مؤتفكات؛ لأن الملك أفكها أي: قلبها، كما أوضحه تعالى بقوله:{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا}.
ذكر جلَّ وعلا في الأولى في هاتين الآيتين أن الكفار قالوا: إن هذا القرآن أساطير الأولين، أي: مما كتبه، وسطره الأولون كأحاديث رستم واسفنديار، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمعه، وأخذه من تلك الأساطير، وأنه اكتتب تلك الأساطير.
قال الزمخشري: أي: كتبها لنفسه وأخذها، كما تقول: استكب الماء واصطبة إذا سكبه وصبه لنفسه وأخذه.
وقوله:{فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} أي: تلقى إليه، وتقرأ عليه عند إرادته كتابتها ليكتبها. والإِملاء إلقاء الكلام على الكاتب ليكتبه، والهمزة مبدلة من اللام تخفيفًا، والأصل في الإِملاء الإِملال باللام.