وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)} قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جعلوا أضل من الأنعام؟
قلت: لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها، وتجتنب ما يضرها، وتهتدي لمراعيها ومشاربها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولايعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهني والعذب الروى. اهـ منه.
وإذا علمت ما دلت عليه هذه الآية الكريمة، فاعلم أن الله بينه في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في سورة الأعراف: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)} وقوله تعالى في البقرة: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)}.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه هو الذي جعل لخلقه الليل لباسًا، والنوم سباتًا، وجعل لهم النهار نشورًا. أما جعله لهم الليل لباسًا، فالظاهر أنه لما جعل الليل يغطي جميع من في الأرض بظلامه، صار لباسًا لهم، يسترهم كما يستر اللباس عورة صاحبه، وربما انتفعوا بلباس الليل كهروب الأسير المسلم من الكفار