حدث إليه وأسر إليه. اهـ منه. وهذا الذي أشرنا إليه هو معنى الخلاف المشهور بين البصريين والكوفيين في تعاقب حروف الجر؛ وإتيان بعضها مكان بعض هل هو بالنظر إلى التضمين، أو لأن الحروف يأتي بعضها بمعنى بعض؟ وسنذكر مثالًا واحدًا من ذلك يتضح به المقصود؛ فقوله تعالى مثلًا:{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الآية، على القول بالتضمين. فالحرف الذي هو "من" وارد في معناه، لكن "نصر" هنا مضمنة معنى الإنجاء والتخليص، أي أنجيناه وخلصناه من الذين كذبوا بآياتنا. والإنجاء مثلًا يتعدى بمن. وعلى القول الثاني فـ"نصر" وارد في معناه، لكن "من" بمعنى على، أي نصرناه على القوم الذين كذبوا الآية، وهكذا في كل ما يشاكله.
وقد قدمنا في سورة "الكهف" أن اختلاف العلماء في تعيين الشجرة التي نهى الله آدم عن الأكل منها اختلاف لا طائل تحته، لعدم الدليل على تعيينها، وعدم الفائدة في معرفة عينها. وبعضهم يقول: هي السنبلة. وبعضهم يقول: هي شجرة الكرم. وبعضهم يقول: هي شجرة التين، إلى غير ذلك من الأقوال.
الفاء في قوله:{فَأَكَلَا} تدل على أن سبب أكلهما هو وسوسة الشيطان المذكورة قبله في قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيهِ الشَّيطَانُ} أي فأكلا منها بسبب تلك الوسوسة. وكذلك الفاء في قوله:{فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} تدل على أن سبب ذلك هو أكلهما