قد قدمنا أنه تعالى أمر بالأكل من بهيمة الأنعام: وهي الإِبل والبقر والغنم بأنواعها الثمانية، وأمر بإطعام البائس الفقير منها، وأمر بالأكل من البدن، وإطعام القانع والمعتر منها، وما كان من الإِبل فهو من البدن بلا خلاف.
واختلفوا في البقرة، هل هي بدنة وقد قدمنا الحديث الصحيح أن البقرة من البدن. وقدمنا أيضًا ما يدل على أنها غير بدنة، وأظهرها أنها من البدن. وللعلماء في تفسير القانع والمعتر أقوال متعددة متقاربة أظهرها عندي أن القانع هو الطامع الذي يسأل أن يعطى من اللحم. ومنه قول الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغنى ... مفاقره أعف من القنوع
يعني أعف من سؤال الناس، والطمع فيهم، وأن المعتر هو الذي يعتري متعرضًا للإِعطاء من غير سؤال وطلب. واللَّه أعلم.
وقد قدمنا حكم الأكل من أنواع الهدايا والضحايا، وأقوال أهل العلم في ذلك ما أغني عن إعادته هنا.
قوله:{كَذَلِكَ} نعت لمصدر، أي: سخرناها، أي: البدن لكم تسخيرًا كذلك، أي: مثل ذلك التسخير الذي تشاهدون، أي: ذللناها لكم، وجعلناها منقادة لكم تفعلون بها ما شئتم من نحر وركوب، وحلب وغير ذلك من المنافع، ولولا أن الله ذللها لكم لم تقدروا عليها؛ لأنها أقوى منكم، ألا ترى البعير إذا توحش صار صاحبه غير قادر عليه، ولا متمكن من الانتفاع به.