هنا: الإلهام. والعرب تطلق الإيحاء على الإعلام بالشيء في خفية، ولذا تطلقه على الإشارة، وعلى الكتابة، وعلى الإلهام. ولذلك قال تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} أي: ألهمها.
وقال: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)} الآية، أي: أشار إليهم. وسمى أمره للأرض إيحاء في قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)} ومن إطلاق الوحي على الكتابة قول لبيد في معلقته:
فمدافع الريان عري رسمها ... خلقًا كما ضمن الوحي سلامها
فـ"الوحي" في البيت (بضم الواو وكسر الحاء وتشديد الياء) جمع وحي بمعنى الكتابة. وسيأتي لهذه المسألة إن شاء الله زيادة إيضاح.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من الناس من يموت قبل بلوغ أرذل العمر، ومنهم من يعمر حتى يرد إلى أرذل العمر. وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس، ويختل فيه النطق والفكر، وخص بالرذيلة لأنه حالًا لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد؛ بخلاف حال الطفولة، فإنها حالة ينتقل منها إلى القوة وإدراك الأشياء. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر؛ كقوله في سورة الحج:{وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} وقوله في الروم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ