يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} على قوله:{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} لأجل الدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع من الاعتذار المشعر بالإقناط الكلي أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء عليهم بكفرهم.
• قوله تعالى: {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤)} اعلم أولًا: أن استعتب تستعمل في اللغة بمعنى طلب العتبى، أي: الرجوع إلى ما يرضي العائب ويسره. وتستعمل أيضًا في اللغة بمعنى أعتب: إذا أعطى العتبى، أي: رجع إلى ما يحب العائب ويرضى، فإذا علمت ذلك: فاعلم أن قوله: {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} وجهين من التفسير متقاربي المعنى.
قال بعض أهل العلم:{وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي: لا تطلب منهم العتبى، بمعنى لا يكلفون أن يرضوا ربهم؛ لأن الآخرة ليست بدار تكليف، فلا يردون إلى الدنيا ليتوبوا.
وقال بعض العلماء:{وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي: يعتبون، بمعنى يزال عنهم العتب، ويعطون العتبى وهي الرضا؛ لأن الله لا يرضى عن القوم الكافرين. وهذا المعنى كقوله تعالى في قراءة الجمهور:{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} أي: وإن يطلبوا العتبى -وهي الرضا عنهم لشدة جزعهم- فما هم من المعتبين، بصيغة اسم المفعول، أي: المعطين العتبى، وهي الرضا عنهم؛ لأن العرب تقول: أعتبه إذا رجع إلى ما يرضيه ويسره، ومنه قول أبو ذؤيب الهذلي:
أمِنَ المنون وريبه تتوجع ... والدهر ليس بمُعْتِب من يجزع