الكاف في قوله:{كَذَلِكَ} في محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: نقص عليك من أنباء ما سبق قصصًا مثل ذلك القَصَص الحسن الحق الذي قصصنا عليك عن موسى وهارون، وعن موسى وقومه والسامري. والظاهر أن {مِنْ} في قوله: {مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} للتبعيض، ويفهم من ذلك أن بعضهم لم يقصص عليه خبره. ويدل لهذا المفهوم قوله تعالى في سورة "النساء": {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيكَ} الآية، وقوله في سورة "المؤمن": {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيكَ} الآية، وقوله في سورة "إبراهيم": {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إلا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الآية. والأنباء: جمع نبأ وهو الخبر الذي له شأن.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه قص على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أخبار الماضين؛ أي ليبين بذلك صدق نبوته؛ لأنه أمي لا يكتب ولا يقرأ الكتب، ولم يتعلم أخبار الأمم وقصصهم، فلولا أن الله أوحى إليه ذلك لما عَلِمه = بِيَّنه أيضًا في غير هذا الموضع، كقوله في "آل عمران": {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)} أي: فلولا أن الله أوحى إليك ذلك لما كان لك علم به. وقوله تعالى في سورة "هود": {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيبِ نُوحِيهَا إِلَيكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا