مُحْسِنٌ} الآية. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا أحد أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله في حال كونه محسنا؛ لأن استفهام الإنكار مضمن معنى النفي، وصرح في موضع آخر: أن من كان كذلك فقد استمسك بالعروة الوثقى، وهو قوله تعالى:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} ومعنى إسلام وجهه لله إطاعته وإذعانه، وانقياده لله تعالى بامتثال أمره، واجتناب نهيه في حال كونه محسنا، أي: مخلصا عمله لله، لا يشرك فيه به شيئا، مراقبا فيه لله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فالله تعالى يراه، والعرب تطلق إسلام الوجه، وتريد به الإذعان والإنقياد التام، ومنه قول زيد بن نفيل العدوي:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
• قوله تعالى:{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} الآية. لم يبين هنا هذا الذي يتلى عليهم في الكتاب ما هو، ولكنه بينه في أول السورة، وهو قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية. كما قدمناه عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقوله هنا:{وَمَا يُتْلَى} في محل رفع معطوفا على الفاعل الذي هو لفظ الجلالة، وتقرير المعنى:(قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) أيضا {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} الآية، وذلك قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية. ومضمون ما أفتى به هذا الذي يتلى علينا في الكتاب هو تحريم هضم حقوق اليتيمات، فمن خاف أن لا يقسط في اليتيمة التي في حجره