فلفظة "من" في الآية كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} أي: من أجل خطيآتهم أغرقوا، فأدخلوا نارًا. وأما على الأول فخير صيغة تفضيل. ويحتمل عندي أن لفظة خير على الوجه الثاني صيغة تفضيل أيضًا، ولا يراد بها تفضيل شيء على لَا إلهَ إلَّا الله، بل المراد أن كلمة لَا إلهَ إلَّا الله تعبد بها العبد في دار الدنيا، وتعبده بها فعله المحض، وقد أثابه الله في الآخرة على تعبده بها، وإثابة الله فعله جلَّ وعلا, ولا شك أن فعل الله خير من فعل عبده. والعلم عند الله تعالى.
دلت على معناه آيات من كتاب الله، كقوله تعالى في أمنهم من الفزع:{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} الآية. وقوله تعالى في أمنهم: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (٣٧)} وقوله تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية.
وقوله تعالى:{وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ} قرأه عاصم، وحمزة، والكسائي بتنوين فزع، وفتح ميم يومئذ، وقرأه الباقون بغير تنوين، بل بالإضافة إلى يومئذ، إلَّا أن نافعًا قرأ بفتح ميم يومئذ مع إضافة فزع إليه، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو بإضافة فزع إلى يومئذ، مع كسر ميم يومئذ. وفتح الميم وكسرها من نحو يومئذ قد أوضحناه بلغاته وشواهده العربية مع بيان المختار من اللغات في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى:{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} الآية.