ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الأعراف يَعْرِفُونَ كُلّاً من أهل الجنة، وأهل النار بِسِيمَاهُمْ، ولم يبين هنا سيما أهل الجنة، ولا أهل النار، ولكنه أشار لذلك في مواضع أخر، كقوله:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} الآية.
فبياض الوجوه وحسنها سيما أهل الجنة، وسوادها وقبحها وزرقة العيون سيما أهل النار، كما قال أيضاً في سيما أهل الجنة: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)} وقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢)} الآية، وقال في سيما أهل النار:{كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً} الآية، وقال: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠)} الآية، وقال: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢)}.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن أصحاب الأعراف قالوا لرجال من أهل النار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ: لم ينفعكم ما كنتم تجمعونه في الدنيا من المال، ولا كثرة جماعتكم وأنصاركم، ولا استكباركم في الدنيا.
وبين في مواضع أخر وجه ذلك: وهو أن الإنسان يوم القيامة يحشر فرداً، لا مال معه، ولا ناصر، ولا خادم ولا خول، وأن استكباره في الدنيا يجزى به عذاب الهون في الآخرة، وكقوله:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} وقوله: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (٨٠)} وقوله: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (٩٥)} وقوله: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} الآية.