الملائكة أو لا؟ لأنه لم يذكر هنا رده السلام عليهم، وإنما قال عنه: إنه قال لهم: إنا منكم وجلون، وبين في هود والذاريات أنه رد عليهم السلام بقوله في هود: {قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩)} وقوله في الذاريات: {قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦)} وبين أن الوجل المذكور هنا هو الخوف لقوله في القصة بعينها في هود: {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ} وقوله في الذاريات: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ} وقد قدمنا أن من أنواع البيان في هذا الكتاب بيان اللفظ بمرادف له أشهر منه كما هنا لأن الخوف يرادف الوجل وهو أشهر منه، وبين أن سبب خوفه هو عدم أكلهم بقوله:{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}.
• قوله تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٥٣)} ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أولئك الضيف الكرام الذين هم ملائكة بشروا إبراهيم بغلام موصوف بالعلم، ونظير ذلك قوله تعالى أيضًا في الذاريات: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨)} وهذا الغلام بين تعالى أنه هو إسحاق كما يوضح ذلك قوله في الذاريات: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)} لأن كونها أقبلت في صَرّة؛ أي: صيحة وضجة وصكت وجهها، أي: لطمته قائلة: إنها عجوز عقيم يدل على أن الولد المذكور هي أمه كما لا يخفى ويزيده إيضاحًا تصريحه تعالى ببشارتها هي بأنها تلده مصرحًا باسمه واسم ولده يعقوب، وذلك في قوله تعالى في هود في القصة بعينها:{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}