ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من حِكَم خلقه عيسى من امرأة بغير زوج ليجعل ذلك آية للناس؛ أي علامة دالة على كمال قدرته. وأنه تعالى يخلق ما يشاء كيف يشاء. إن شاء خلقه من أنثى بدون ذكر كما فعل بعيسى. وإن شاء خلقه من ذكر بدون أنثى كما فعل بحواء؛ كما نص على ذلك في قوله:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي: خلق من تلك النفس التي هي آدم زوجها حواء. وإن شاء خلقه بدون الذكر والأنثى معًا كما فعل بآدم. وإن شاء خلقه من ذكر وأنثى كما فعل بسائر بني آدم. فسبحان الله العظيم القادر على كل شيء! وما ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كونه جعل عيسى آية حيث ولدته أمه من غير زوج أشار له أيضًا في "الأنبياء" بقوله: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالمِينَ (٩١)}، وفي "الفلاح" بقوله: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً .. } الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} فيه حذف دل المقام عليه. قال الزمخشري في الكشاف:{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} تعليل معلله محذوف، أي: ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك. أو هو معطوف على تعليل مضمر، أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية. ونحوه:{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، وقوله:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ} اهـ.