ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه ما أتى نبيٌّ قومًا إلا قالوا ساحر أو مجنون، ثم قال:(أتواصوا به) ثم أضرب عن تواصيهم بذلك إضراب إبطال؛ لأنهم لم يجمعوا في زمن حتى يتواصوا فقال: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣)} أي الموجب الذي جمعهم على اتفاقهم جميعًا على تكذيب الرسل ونسبتهم للسحر والجنون هو اتحاد الطغيان الذي هو مجاوزة الحد في الكفر.
وهذا يدل على أنهم إنما اتفقوا لأن قلوب بعضهم تشبه قلوب بعض في الكفر والطغيان، فتشابهت مقالاتهم للرسل لأجل تشابه قلوبهم.
وقد أوضح تعالى هذا المعنى في سورة البقرة:{كَذَلِكَ قَال الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}.
نفيه جل وعلا في هذه الآية الكريمة للَّوم عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، يدل على أنه أدى الأمانة ونصح للأمة.
وقد أوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠)}، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة معلومة.