أشار تعالى إلى فتنة القبر وعذابه في قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧)}.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: قد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة: أن المعيشة الضنك في الآية: عذاب القبر. وبعض طرقه بإسناد جيد كما قاله ابن كثير في تفسير هذه الآية. ولا ينافي ذلك شمول المعيشة الضنك لمعيشته في الدنيا. وطعام الضريع والزقوم، فتكون معيشته ضنكًا في الدنيا والبرزخ والآخرة، والعياذ بالله تعالى.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من أعرض عن ذكره يحشره يوم القيامة في حال كونه أعمى. قال مجاهد وأبو صالح والسدي: أعمى، أي لا حجة له. وقال عكرمة: عمى عليه كل شيء إلا جهنم، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولًا، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول. وقد ذكرنا أمثلة متعددة لذلك. فإذا علمت ذلك؛ فاعلم أن في هذه الآية الكريمة قرينة دالة على خلاف قول مجاهد وأبي صالح والسدي وعكرمة. وأن المراد بقوله: {أَعْمَى (١٢٤)} أي: أعمى البصر لا يرى شيئًا، والقرينة المذكورة هي قوله تعالى: {قَال رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥)} فصرح بأن عماه هو العمى المقابل للبصر وهو بصر العين؛ لأن الكافر كان في الدنيا أعمى القلب كما دلت على