والسلام ما دعوا ذلك الدعاء على قومهما إلَّا بعد أن علما من الله أنهم أشقياء في علم الله لا يؤمنون أبدًا، أما نوح فقد صرح الله تعالى له بذلك في قوله:{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} وأما موسى فقد فهم ذلك من قول قومه له: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢)} فإنهم قالوا هذا القول بعد مشاهدة تلك الآيات العظيمة المذكورة في الأعراف وغيرها.
• قوله تعالى:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} الآية. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دعا لذريته الذين أسكنهم بمكة المكرمة أن يرزقهم الله من الثمرات، وبين في سورة البقرة أن إبراهيم خص بهذا الدعاء المؤمنين منهم، وأن الله أخبره أنَّه رازقهم جميعًا مؤمنهم وكافرهم، ثم يوم القيامة يعذب الكافر، وذلك بقوله:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا} الآية.
قال بعض العلماء: سبب تخصيص إبراهيم المؤمنين في هذا الدعاء بالرزق أنَّه دعا لذريته أولًا أن يجعلهم الله أئمة ولم يخصص بالمؤمنين فأخبره الله أن الظالمين من ذريته لا يستحقون ذلك. قال تعالى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)} فلما أراد أن يدعو لهم بالرزق خص المؤمنين بسبب ذلك فقال: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فأخبره الله أن الرزق ليس كالإمامة، فالله يرزق الكافر من الدنيا ولا يجعله إمامًا؛ ولذا قال له