والظاهر أن معنى قوله:{بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} أي بما علمك من العلوم في هذا القرآن العظيم، بدليل قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} الآية، وقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣)}.
وبين جل وعلا أن من حكم إنزاله إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وذلك في قوله تعالى:{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} الآية.
وبيّن أن من حِكَم إنزاله التذكرة لمن يخشى، في قوله تعالى: {طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٣)} أي ما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى.
وهذا القصر على التذكرة إضافي، وكذلك القصر في قوله تعالى الذي ذكرناه قبل هذا {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} الآية، بدليل الحِكَم الأخرى التي ذكرناها.
وبين أن من حكم إنزاله قرآنًا عربيًا وتصريف الله فيه من أنواع الوعيد أن يتقي الناس الله، أو يحدث لهم هذا الكتاب ذكرًا، أي موعظة وتذكرًا يهديهم إلى الحق، وذلك في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (١١٣)}. والعلم عند الله تعالى.