للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وكيلًا، أي: حفيظًا تهديه، وتصرف عنه الضلال الذي قدره الله عليه؛ لأن الهدى بيد الله وحده لا بيدك، والذي عليك إنما هو البلاغ، وقد بلغت.

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} الآية، وقوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} وقوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩)} وقوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} الآية، وقوله في آية فاطر المذكورة آنفًا: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} الآية، وقوله تعالى في آية الجاثية المذكورة آنفًا أيضًا: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة. والعلم عند الله تعالى.

• قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)}.

أم في هذه الآية الكريمة هي المنقطعة، وأشهر معانيها أنها جامعة بين معنى بل الإِضرابية، واستفهام الإِنكار معًا. والإِضراب المدلول عليه بها هنا إضراب انتقالي:

والمعنى: بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، أي: لا تعتقد ذلك ولا تظنه، فإنهم لا يسمعون الحق ولا يعقلونه، أي: لا يدركونه بعقولهم، إن هم إلَّا كالأنعام، أي: ما هم إلَّا كالأنعام التي هي الإِبل والبقر والغنم في عدم سماع الحق وإدراكه، بل هم أضل من الأنعام، أي: أبعد عن فهم الحق وإدراكه.