للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

• قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.

هذا الكلام مقول قول محذوف. وحذف القول مطرد في اللغة العربية، كثير جدًّا في القرآن العظيم. والمعنى: يقال لهم يوم القيامة: لقد جئتمونا، أي: والله لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة، أي حفاة عراة غرلًا، أي غير مختونين، كل واحد منكم فرد لا مال معه ولا ولد، ولا خدم ولا حشم.

وقد أوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَينَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤) وقوله: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥) وقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَينَا ... } الآية، وقوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)} كما تقدم.

وقوله في هذه الآية الكريمة: {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ} "ما" مصدرية، والمصدر المنسبك منها ومن صلتها نعت لمصدر محذوف على حذف مضاف. وإيضاح تقريره: ولقد جئتمونا كما خلقناكم، أي: مجيئا مثل مجيء خلقكم، أي: حفاة عراة غرلا كما جاء في الحديث، وخالين من المال والولد. وهذا الإعراب هو مقتضى كلام أبي حيان في البحر. ويظهر لي أنه يجوز إعرابه أيضًا حالًا، أي: جئتمونا في حال كونكم مشابهين لكم في حالتكم الأولى، لأن التشبيه يؤول بمعنى الوصف، كما أشار له في الخلاصة بقوله:

ويكثرُ الجمودُ في سعرٍ وفي ... مُبْدِي تأوُّلٍ بلا تكلُّفِ

كبِعْه مُدًّا بكذا يدًا بيدْ ... وكرَّ زيدٌ أسدًا أي كأسدْ