بصوت رفيع غير فظيع: يا عبادي، أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين. يا عبادي، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، أحْضِروا حُجَّتكم ويسروا جوابًا فإنكم مسئولون محاسبون. يا ملائكتي، أقيموا عبادي صفوفًا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب". قلت: هذا الحديث غاية في البيان في تفسير الآية. ولم يذكره كثير من المفسرين، وقد كتبناه في كتاب التذكرة ومنه نقلناه، والحمد لله. انتهى كلام القرطبي. والحديث المذكور يدل على أن {صَفًّا} في هذه الآية يراد به صفوفًا؛ كقوله في الملائكة: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} . ونظير الآية قوله في الملائكة: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَال صَوَابًا (٣٨)} .
فإذا علمت أن الله جل وعلا ذكر في هذه الآية الكريمة حالًا من أحوال عرض الخلائق عليه يوم القيامة؛ فاعلم أنه بين في مواضع أخر أشياء أخر من أحوال عرضهم عليه؛ كقوله: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (١٨)} . وبين في مواضع أخر ما يلاقيه الكفار، وما يقال لهم عند ذلك العرض على ربهم؛ كقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (١٩)} .
وقوله في هذه الآية الكريمة:{صَفًّا} أصله مصدر، والمصدر المنكر قد يكون حالًا على حد قوله في الخلاصة:
ومصدرٌ منكَّرٌ حالًا يقع ... بكثرةٍ كبغتةً زيدٌ طَلَع