يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلَّا}. وقد قدمنا أن ما طلبه الكفار من نبينا - صَلَّى الله عليه وسلم - من طرده فقراء المؤمنين وضعفائهم تكبرًا عليهم وازدراء بهم، طلبه أيضًا قوم نوح من نوح عليه وعلى نبينا الصَّلاة والسلام، وأنَّه امتنع من طردهم أيضًا، كقوله تعالى عنهم: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)}، وقوله عنهم أيضًا:{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}، وقال عن نوح في امتناعه من طردهم: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥)}، وكقوله تعالى عنه: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣٠)}.
وقوله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} فيه الدليل على أن مادة الصبر تتعدى بنفسها للمفعول، ونظير ذلك من كلام العرب قول أبي ذؤيب أو عنترة:
فصبرت عارفة بذلك حرة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلع
والغداة: أول النهار. والعشيّ: آخره. وقال بعض العلماء:{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} أي يصلون صلاة الصبح والعصر. والتحقيق أن الآية تشمل أعم من مطلق الصَّلاة. والله تعالى أعلم.
نهى الله جل وعلا نبيه - صَلَّى الله عليه وسلم - في هذه الآية الكريمة أن تعدو عيناه عن ضعفاء المؤمنين وفقرائهم، طموحًا إلى الأغنياء وما لديهم من زينة الحياة الدُّنيا. ومعنى {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ} أي: لا تتجاوزهم عيناك وتنبوا عن رثاثة زيهم، محتقرًا لهم طامحًا إلى أهل الغني