وقد قدمنا قريبًا أن (إنَّ) المكسورة المشددة من حروف التعليل، فقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)} الآية، علة لقوله: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢)} الآية.
وقد ذكر جل وعلا أن الإِشفاق من عذاب الله من أسباب دخول الجنَّة والنجاة من العذاب يوم القيامة، كما دل عليه منطوق آية الطور هذه، قال تعالى في المعارج: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيرُ مَأْمُونٍ (٢٨)} إلى قوله: {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)}، وذكر ذلك من صفات أهل الجنَّة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧)} إلى قوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١)}، وقد قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)}.
وقوله في آية الواقعة المذكورة:(وكانوا يصرون على الحنث العظيم) أي يديمون ويعزمون على الذنب الكبير، كالشرك وإنكار البعث، وقيل: المراد بالحنث: حنثهم في اليمين الفاجرة، كما في قوله تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}.
نفى الله جل وعلا عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هاتين الآيتين الكريمتين ثلاث صفات قبيحة رماه بها الكفار، وهي الكهانة والجنون والشعر، أما دعواهم أنَّه كاهن أو مجنون، فقد نفاها صريحًا بحرف النفي الذي هو (ما) في قوله: (فما أنث)، وأكد النفي بالباء في قوله:(بكاهن). وأما كونه شاعرًا فقد نفاه ضمنا بأم المنقطعة في قوله: (أم يقولون