ذكر جلا وعلا في هذه الآية الكريمة، أن أهل الجنَّةِ يسأل بعضهم بعضًا، وأن المسؤول منهم يقول للسائل:(إنا كنا قبل) أي في دار الدنيا (في أهلنا مشفقين) أي خائفين من عذاب الله، ونحن بين أهلنا أحياء (فمنَّ الله علينا) أي أكرمنا وتفضل علينا بسبب الخوف منه في دار الدنيا، فهدانا ووفقنا في الدنيا (ووقانا) في الآخرة (عذاب السموم) والسموم: النار ولفحها ووهجها، وأصله الريح الحارة التي تدخل المسام، والجمع سمائم. ومنه قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
أنامل لم تضرب على البهم بالضحى ... بهن ووجه لم تلحه السمائم
وقد يطلق السموم على الريح الشديدة البرد، ومنه قول الراجز:
اليوم يوم بارد سمومه ... من جزع اليوم فلا ألومه
الفاء في قوله:(فمن الله علينا) تدل على أن علة ذلك هي الخوف من الله في دار الدنيا.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإِشفاق الذي هو الخوف الشديد من عذاب الله في دار الدنيا، سبب للسلامة منه في الآخرة، يفهم من دليل خطابه - أعني مفهوم مخالفته - أن من لم يخف من عذاب الله في الدنيا لم ينج منه في الآخرة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة بمنطوقها ومفهومها جاء موضحًا في غير هذا الموضع، فذكر تعالى أن السرور في الدنيا وعدم الخوف من الله سبب العذاب يوم القيامة، وذلك في قوله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ