ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن مريم لما بشرها جبريل بالغلام الزكي -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- قالت:{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} أي: كيف ألد غلامًا والحال أني لم يمسسني بشر. تعني: لم يجامعني زوج بنكاح، {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)}، أي لم أك زانية. وإذا انتفى عنها مسيس الرجال حلالًا وحرامًا فكيف تحمل. والظاهر أن استفهامها استخبار واستعلام عن الكيفية التي يكون بها حمل الغلام المذكور؛ لأنها مع عدم مسيس الرجال لم تتضح لها الكيفية. ويحتمل أن يكون استفهامها استفهام تعجب من كمال قدرة الله تعالى، وهذا الذي ذكر الله جل وعلا عنها: أنها قالته هنا ذكره عنها أيضًا في سورة "آل عمران" في قوله تعالى: {إِذْ قَالتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قَالتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}. واقتصارها في آية "آل عمران" على قولها: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} يدل على أن مسيس البشر المنفي عنها شامل للمسيس بنكاح والمسيس بزنى، كما هو الظاهر. وعليه فقولها في سورة "مريم": {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)} يظهر فيه أن قولها: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} تخصيص بعد تعميم؛ لأن مسيس البشر يشمل الحلال والحرام. وقال الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى هنا: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)}: جعل المس عبارة عن النكاح الحلال لأنه كناية عنه؛ كقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}، {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} والزنى