وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ .. } الآية، إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على صفات هذا الغلام.
وقرأ هذا الحرف أبو عمرو وورش عن نافع وقالون عنه أيضًا بخلف عنه "لِيَهب" بالياء المفتوحة بعد اللام، أي: ليهب لك هو، أي ربك غلامًا زكيًّا. وقرأ الباقون {لِأَهَبَ} بهمزة المتكلم، أي: لأهب لك أنا أيها الرسول من ربك غلامًا زكيًّا. وفي معنى إسناده الهبة إلى نفسه على قراءة الجمهور خلاف معروف بين العلماء. وأظهر الأقوال في ذلك عندي: أن المراد بقول جبريل لها: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩)} أي: لأكون سببًا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع الذي وصل إلى الفرج، فصار بسببه حملها عيسى. وبين تعالى في سورة "التحريم" أن هذا النفخ في فرجها في قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} الآية. والضمير في قوله:{فِيهِ} راجع إلى فرجها. ولا ينافي ذلك قوله تعالى في "الأنبياء": {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} لأن النفخ وصل إلى الفرج فكان منه حمل عيسى، وبهذا فسر الزمخشري في الكشاف الآية.
وقال بعض العلماء: قول جبريل {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا} حكاية منه لقول الله جل وعلا. وعليه فالمعنى: إنما أنا رسول ربك، وقد قال لي: أرسلتك لأهب غلامًا. والأول أظهر. وفي الثاني بعد عن ظاهر اللفظ. وقال بعض العلماء: جعل الهبة من قِبَله لما كان الإعلام بها من قِبَله. وبهذا صدر القرطبي في تفسيره. وأظهرها الأول. والعلم عند الله تعالى.