وبين في موضع آخر: أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف، وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى:{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً، وإيضاح لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة.
ومن يأتي الأمور على اضطرار ... فليس كمثل آتيها اختيارا
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم.
ذكر في هذه الآية الكريمة أن الذين في قلوبهم مرض -وهم المنافقون- يعتذرون عن موالاة الكفار من اليهود بأنهم يخشون أن تدور عليهم الدوائر، أي: دول الدهر الدائرة من قوم إلى قوم، كما قال الشاعر:
إذا ما الدهر جر على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا
يعنون إما بقحط فلا يميروننا، ولا يتفضلوا علينا، وإما بظفر