الكفار بالمسلمين، فلا يدوم الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، زعماً منهم أنهم عند تقلب الدهر بنحو ما ذكر يكون لهم أصدقاء كانوا محافظين على صداقتهم، فينالون منهم ما يؤمل الصديق من صديقه، وأن المسلمين يتعجبون من كذبهم في إقسامهم بالله جهد أيمانهم، إنهم لمع المسلمين، وبين في هذه الآية: أن تلك الدوائر التي حافظوا من أجلها على صداقة اليهود، أنها لا تدور إلا على اليهود والكفار، ولا تدور على المسلمين بقوله:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} الآية. وعسى من الله نافذة؛ لأنه العظيم الذي لا يطمع إلا فيما يعطي.
والفتح المذكور قيل: هو فتح المسلمين لبلاد المشركين، وقيل: الفتح الحكم؛ كقوله:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} وعليه فهو حكم الله بقتل مقاتلة بني قريظة وسبي ذراريهم، وإجلاء بني النضير، وقيل: هو فتح مكة؛ وهو راجع إلى الأول.
وبين تعالى في موضع آخر أن سبب حلفهم بالكذب للمسلمين أنهم منهم إنما هو الفرق، أي: الخوف، وأنهم لو وجدو محلاً يستترون فيه عن المسلمين لسارعو إليه، بغضهم للمسلمين، وهو قوله: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)} ففي هذه الآية بيان سبب أيمان المنافقين، ونظيرها قول:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}.
وبين تعالى في موضع آخر أنهم يحلفون تلك الأيمان ليرضى عنهم المؤمنون، وأنهم إن رضوا عنهم فإن الله لا يرضى عنهم،