وأكثر المفسرين على أن الضمير في قوله:{يُؤْفَكُ عَنْهُ} راجح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو القرآن، أي يصرف عن الإيمان بالنبي أو القرآن، (من أفك) أي صرف عن الحق، وحرم الهدى؛ لشدة ظهور الحق في صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن القرآن منزل من الله.
وهذا خلاف ظاهر السياق كما ترى.
وقول من قال:(يؤفك عنه) أي يصرف عن القول المختلف الباطل (من أفك) أي من صرف عق الباطل إلى الحق؛ لا يخفى بعده وسقوطه، والذين قالوا هذا القول يزعمون أن الإفك يطلق على الصرف عن الحق إلى الباطل، وعن الباطل إلى الحق. ويبعد هذا أن القرآن لم يرد فيه الإفك مراد به إلا الصرف عن الخير إلى الشر، دون عكسه.
لا يخفى على من عنده علم بأصول الفقه أن هذه الآية الكريمة فيها الدلالة المعروفة عند أهل الأصول بدلالة الإيماء والتنبيه على أن سبب نيل هذه الجنات والعيون هو تقوى الله، والسبب الشرعي هو العلة الشرعية على الأصح.
وكون التقوى سبب دخول الجنات الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء موضحًا في آيات آخر من كتاب الله، كقوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (٦٣)}، وقد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١)}.