الأول: ما ذكره الزمخشري في الكشاف، قال: إذا احتاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم، فلا تتفرقوا عنه إلَّا بإذنه، ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضًا، ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي.
والوجه الثاني: هو ما ذكره ابن كثير في تفسيره قال: والقول الثاني في ذلك أن المعنى في: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} أي: لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعو عليكم، فتهلكوا. حكاه ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، والحسن البصري، وعطية العوفي. واللَّه أعلم. انتهى كلام ابن كثير.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: هذا الوجه الأخير يأباه ظاهر القرآن؛ لأن قوله تعالى:{كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} يدل على خلافه، ولو أراد دعاء بعضهم على بعض لقال: لا تجعلوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض، فدعاء بعضهم بعضًا، ودعاء بعضهم على بعض متغايران كما لا يخفى. والظاهر أن قوله:(لا تجعلوا) مِنْ جعل التي بمعنى اعتقد، كما ذكرنا عن ابن كثير آنفًا.
الضمير في قوله:(عن أمره) راجع إلى الرسول، أو إلى الله، والمعنى واحد؛ لأن الأمر من الله والرسول مبلغ عنه، والعرب تقول: خالف أمره وخالف عن أمره. وقال بعضهم:(يخالفون) مضمن معنى يصدون، أي: يصدون عن أمره.