للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقول الآخر:

يا صاح إما تجدني غير ذي جِدَة ... فما التخلي عن الخلان من شيمي

وأمثال هذا كثيرة في شعر العرب. والمبرد والزجاج يقولان: إن حذف النون في الأبيات المذكورة ونحوها إنما هو لضرورة الشعر. ومن خالفهم كسيبويه والفارسي يمنعون كونه للضرورة، ويقولون: إنه جائز مطلقًا. والعلم عند الله تعالى.

• قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا (٢٧) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)}.

لما اطمأنت مريم بسبب ما رأت من الآيات الخارقة للعادة التي تقدم ذكرها آنفًا؛ أتت به (أي بعيسى) قومها تحمله غير محتشمة ولا مكترثة بما يقولون، فقالوا لها: {يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا (٢٧) قال مجاهد وقتادة وغير واحد: {فَرِيًّا (٢٧)} أي: عظيمًا. وقال سعيد بن مسعدة: {فَرِيًّا (٢٧)} أي: مختلقًا مفتعلًا. وقال أبو عبيدة والأخفش: {فَرِيًّا (٢٧)} أي: عجيبًا نادرًا.

قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: الذي يفهم من الآيات القرآنية أن مرادهم بقولهم: {لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا (٢٧)} أي: منكرًا عظيمًا؛ لأن الفريّ فعيل من الفرية، يعنون به الزنى؛ لأن ولد الزنى كالشيء المفترى المختلق؛ لأن الزانية تدعي إلحاقه بمن ليس أباه. ويدل على أن مرادهم بقولهم: {فَرِيًّا (٢٧)} الزنى قوله تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦)} لأن ذلك البهتان العظيم الذي هو ادعاؤهم أنها زنت، وجاءت بعيسى من ذلك الزنى