واعلم أن العلماء اختلفوا: هل فعل بهم فرعون ما توعدهم به، أو لم يفعله بهم؟ فقال قوم: قتلهم وصلبهم. وقوم أنكروا ذلك، وأظهرهما عندي: أنه لم يقتلهم، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله تعالى؛ لأن الله يقول لموسى وهارون: {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥)} والعلم عند الله تعالى.
قوله:{لَنْ نُؤْثِرَكَ} أي: لن نختار اتباعك، وكوننا من حزبك، وسلامتنا من عذابك على ما جاءنا من البينات؛ كمعجزة العصا التي أتتنا وتيقنا صحتها. والواو في قوله:{وَالَّذِي فَطَرَنَا} عاطفة على {مَا} من قوله: {عَلَى مَا جَاءَنَا} أي: لن نختارك {مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} ولا على {وَالَّذِي فَطَرَنَا} أي: خلقنا وأبرزنا من العدم إلى الوجود. وقيل: هي واو القسم والمقسم عليه محذوف دل عليه ما قبله؛ أي:{وَالَّذِي فَطَرَنَا} لا نؤثرك {مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}، {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أي اصنع ما أنت صانع، فلسنا راجعين عما نحن عليه {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢)} أي إنما ينفذ أمرك فيها. فـ {هَذِهِ} منصوب على الظرف على الأصح. أي وليس فيها شيء يهم لسرعة زوالها وانقضائها.
وما ذكره جل وعلا عنهم في هذا الموضع؛ من ثباتهم على الإيمان، وعدم مبالاتهم بتهديد فرعون ووعيده رغبة فيما عند الله =