الثاني: هو ما بينا أن ما وعد الله به الكفار لا يصح أن يخلفه بحال؛ لأن ادعاء جواز إخلافه - لأنه إيعاد، وأن العرب تعد الرجوع عن الإِيعاد كرمًا - يبطله أمران:
الأول: أنه يلزمه جواز ألا يدخل النار كافر أصلًا؛ لأن إيعادهم بإدخالهم النار مما زعموا أن الرجوع عنه كرم، وهذا لا شك في بطلانه.
الثاني: ما ذكرنا من الآيات الدالة: على أن الله لا يخلف ما أوعده به الكفار من العذاب، كقوله: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} الآية، وقوله تعالى فيهم: {فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤)} وقوله فيهم: {فَحَقَّ عِقَابِ (١٤)} ومعنى حق: وجب وثبت، فلا وجه لانتفائه بحال، كما أوضحناه هنا وفي غير هذا الموضع.
بين جل وعلا هذه الآية الكريمة أن اليوم عنده جل وعلا كألف سنة مما يعده خلقه. وما ذكره هنا من كون اليوم عنده كألف سنة، أشار إليه في سورة السجدة بقوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥)} وذكر في سورة المعارج أن مقدار اليوم خمسون ألف سنة، وذلك في قوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)} الآية. فآية الحج، وآية السجدة متوافقتان تصدق كل واحدة منهما الأخرى، وتماثلها في المعنى. وآية المعارج تخالف ظاهرهما؛ لزيادتها عليهما بخمسين ضعفًا. وقد ذكرنا وجه الجمع بين هذه الآيات في كتابنا: