للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

• قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥)}.

اعلم أولًا أن لفظ {مَا كَانَ} يدل على النفي، فتارة يدل ذلك النفي من جهة المعنى على الزجر والردع، كقوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} الآية. وتارة يدل على التعجيز، كقوله تعالى: {آللَّهُ خَيرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} الآية. وتارة يدل على التنزيه، كقوله هنا: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} وقد أعقبه بقوله: {سُبْحَانَهُ} أي تنزيهًا له عن اتخاذ الولد وكل ما لا يليق بكماله وجلاله، فقوله: {مَا كَانَ لِلَّهِ} بمعنى ما يصح ولا يتأتى ولا يتصور في حقه جل وعلا أن يتخذ ولدًا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. والآية كقوله تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)}. وفي هذه الآية الرد البالغ على النصارى الذين زعموا المحال في قولهم: "عيسى ابن الله" وما نزه عنه جل وعلا نفسه هنا من الولد المزعوم كذبًا كعيسى؛ نزه عنه نفسه في مواضع أخر، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ -إلى قوله- إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} الآية. والآيات الدالة على مثل ذلك كثيرة، كقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)} إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم مستوفى في سورة "الكهف".

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} أي أراد