إلى قومه {غَضْبَانَ أَسِفًا} ذكره في غير هذا الموضع، وذكر أشياء من آثار غضبه المذكور، كقوله في "الأعراف": {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَال بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} الآية. وقد بين تعالى أن من آثار غضب موسى إلقاءه الألواح التي فيها التوراة، وأخذه برأس أخيه يجره إليه، كما قال في "الأعراف": {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيهِ}، وقال في "طه" مشيرًا لأخذه برأس أخيه: {قَال يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}. وهذه الآيات فيها الدلالة على أن الخبر ليس كالعيان؛ لأن الله لما أخبر موسى بكفر قومه بعبادتهم العجل كما بينه في قوله: {قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥)} وهذا خبر من الله يقين لا شك فيه فلم يلق الألواح، ولكنه لما عاين قومه حول العجل يعبدونه أثرت فيه معاينة ذلك أثرًا لم يؤثره فيه الخبر اليقين بذلك، فألقى الألواح حتى تكسرت، وأخذ برأس أخيه يجره إليه لِمَا أصابه من شدة الغضب من انتهاك حرمات الله تعالى.
وقال ابن كثير في تفسيره في سورة "الأعراف": وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر، أخبره ربه عزَّ وجلَّ أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح".