ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما رجع إلى قومه، ووجدهم قد عبدوا العجل من بعده قال لهم:{يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا}.
وأظهر الأقوال عندي في المراد بهذا الوعد الحسن؛ أنه وعدهم أن ينزل على نبيهم كتابًا فيه كل ما يحتاجون إليه من خير الدنيا والآخرة. وهذا الوعد الحسن المذكور هنا هو المذكور في قوله تعالى:{وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيمَنَ} الآية، وفيه أقوال غير ذلك.
وقوله:{أَفَطَال عَلَيكُمُ الْعَهْدُ} الاستفهام فيه للإنكار، يعني لم يطل العهد؛ كما يقال في المثل: وما بالعهد من قدم؛ لأن طول العهد مظنة النسيان، والعهد قريب لم يطل، فكيف نسيتم؟.
وقوله:{أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} قال بعض العلماء: {أَمْ} هنا هي المنقطعة، والمعنى: بل أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم، ومعنى إرادتهم حلول الغضب: أنهم فعلوا ما يستوجب غضب ربهم بإرادتهم؛ فكأنهم أرادوا الغضب لما أرادوا سببه، وهو الكفر بعبادة العجل.
وقوله: {فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦)} كانوا وعدوه أن يتبعوه لما تقدمهم إلى الميقات، وأن يثبتوا على طاعة الله تعالى؛ فعبدوا العجل وعكفوا عليه ولم يتبعوا موسى؛ فأخلفوا موعده بالكفر وعدم الذهاب في أثره، {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} قرأه نافع وعاصم {بِمَلْكِنَا} بفتح الميم. وقرأه حمزة والكسائي {بِمُلْكِنَا} بضم الميم، وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو {بِمَلْكِنَا} بكسر