بحيث لا يرويها كثرة شراب الماء، فهي تشرب كثيرًا من الماء، ولا تزال مع ذلك في شدة العطش، ومنه قول غيلان ذي الرمة:
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد ... صداها ولا يقضي عليها هيامها
وقوله تعالى في الواقعة: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)} يدل على أن الشوب، أي: الخلط من الحميم المخلوط لهم بشجرة الزقوم المذكور هنا في الصافات أنه شوب كثير من الحميم لا قليل.
وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية: {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧)}. الشوب: الخلط، والشَوب والشُوب لغتان، كالفَقر والفُقر، والفتح أشهر. قال الفراء: شاب طعامه وشرابه إذا خلطهما بشيء يشوبهما شوبًا وشيابة. انتهى منه.
ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الكفار الذين أرسل إليهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ألفوا آباءهم ضالين، أي: وجدوهم على الكفر، وعبادة الأوثان، فهم على آثارهم يهرعون، أي: يتبعونهم في ذلك الضلال والكفر مسرعين فيه، جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى عنهم:{قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} وقوله عنهم: {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} وقوله عنهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)} وقوله عنهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} الآية. ورد الله عليهم في الآيات القرآنية معروف، كقوله تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا