وقال بعض العلماء: يدخل في الغلو وغير الحق المنهي عنه في هذه الآية ما قالوا من البهتان على مريم أيضا، واعتمده القرطبي وعليه فيكون الغلو المنهي عنه شاملا للتفريط والإفراط.
وقد قرر العلماء أن الحق واسطة بين التفريط والإفراط، وهو معنى قول مطرف بن عبد الله:"الحسنة بين سيئتين"، وبه تعلم أن من جانب التفريط والإفراط فقد اهتدى، ولقد أجاد من قال:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، وقولوا: عبد الله ورسوله".
• قوله تعالى:{وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} ليست لفظة "من" في هذه الآية للتبعيض، كما يزعمه النصارى افتراء على الله، ولكن "من" هنا لابتداء الغاية، يعني أن مبدأ ذلك الروح الذي ولد به عيسى حيا من الله تعالى؛ لأنه هو الذي أحياه به، ويدل على أن "من" هنا لابتداء الغاية: قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} أي: كائنا مبدأ ذلك كله منه جل وعلا ويدل لما ذكرنا ما روي عن أبي بن كعب أنه قال: "خلق الله أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق، ثم ردها إلى صلب آدم، وأمسك