وهذه الآية الكريمة تدل على اقتضاء الأمر للوجوب؛ لأنه أطلق اسم المعصية على عدم امتثال الأمر، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة؛ كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)}، وقوله:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فجعل أمره وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - مانعا من الاختيار، موجبا للامتثال. وقوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} فوبخه هذا التوبيخ الشديد على عدم امتثال الأمر المدلول عليه بصيغة أفعل في قوله تعالى: {اسْجُدُوا لِآدَمَ}. وجماهير الأصوليين على أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب للأدلة التي ذكرنا وغيرها مما هو مماثل لها؛ وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله:
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هارون قال لأخيه موسى: {يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} وذلك يدل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته. وقد بين تعالى في "الأعراف" أنه أخذ برأسه يجره إليه؛ وذلك في قوله:{وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيهِ}، وقوله: {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)} من بقية كلام هارون؛