ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يعلم أن نبيه - صلى الله عليه وسلم - يضيق صدره بما يقوله الكفار فيه: من الطعن والتكذيب، والطعن في القرآن. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} وقوله: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)} وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)} إلى غير ذلك من الآيات. وقد قدمنا شيئًا من ذلك في الأنعام.
• قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨)} أمر جل وعلا نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية بأمرين:
أحدهما: قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}.
والثاني: قوله: {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨)}.
وقد كرر تعالى في كتابه الأمر بالشيئين المذكورين في هذه الآية الكريمة، كقوله في الأول: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} وقوله: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٥٥)} والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وأصل التسبيح في اللغة: الإبعاد عن السوء. ومعناه في عرف الشرع: تنزيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله. ومعنى سبح: نزه ربك جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله.