وبينا كلام أهل الأصول في ذلك في سورة طه، في الكلام على قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)}.
وأعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة، مما لا يليق بمنصب داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معوَّل عليه، وما جاء منه مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصح منه شيء.
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}، قد بينا الحكم الذي دل عليه، في سورة البقرة، في الكلام على قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} قد أمر نبيه داود فيه بالحكم بين الناس بالحق، ونهاه فيه عن اتباع الهوى، وأن اتباع الهوى علة للضلال عن سبيل الله؛ لأن الفاء في قوله:{فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} تدل على العِلِّيَّة.
وقد تقرر في الأصول، في مسلك الإِيماء والتنبيه، أن الفاء من حروف التعليل، كقوله: سهى فسجد، وسرق فقطعت يده، لعلة السهو في الأول، ولعلة السرقة في الثاني.
وأتبع ذلك بالتهديد الشديد لمن اتبع الهوى، فأضله ربنا عن سبيل الله، في قوله تعالى بعده يليه: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)}.